الْحَمْدُ للهِ الْكَبِيرِ الْمُتَعَالِ، أَكْرَمَ أَوْلِيَاءَهُ بِعَظِيمِ النَّوَالِ، وَقَصَمَ أَعْدَاءَهُ بِالْعَذَابِ وَالنَّكَالِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ ذُو الْعِزَّةِ وَالْجَلاَلِ، حَذَّرَ مِنَ الطُّغْيَانِ وَضَرَبَ لَهُ الأَمْثَالَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ كَرِيمُ السَّجَايَا وَالْخِصَالِ، أَعْدَلُ الْخَلْقِ وَأَصْدَقُهُمْ فِي الْمَقَالِ وَالْفِعَالِ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ خَيْرِ صَحْبٍ وَآلٍ، وَعَلَى تَابِعِيهِمْ بِإِحْسَانٍ مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ وَالْجِبَالُ.
أَمَّا بَعْدُ:
فَاتَّقُوا اللهَ إِخْوَةَ الإِسْلاَمِ، وَرَاقِبُوا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ، تَسْعَدُوا مَدَى الأَيَّامِ، وَتَكُنْ لَكُمُ الْمَهَابَةُ بَيْنَ الأَنَامِ، وَتَحْظَوْا بِكَرَامَةِ اللهِ فِي دَارِ السَّلاَمِ، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) [الأنفال:29].
أيُّهَا الْجَمْعُ الْكَرِيمُ:
يَقُولُ اللهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ الْعَظِيمِ:(وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ * فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ * إِنَّ هَؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ * وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ * وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ * فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ * فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ * فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ * فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ * وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الآخَرِينَ * وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ * ثُمَّ أَغْرَقْنَا الآخَرِينَ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ * وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) [الشعراء:52-68]، اللهُ أَكْبَرُ، وَهَكَذَا تَنْتَهِي الْغَطْرَسَةُ وَالْكِبْرُ، وَيَهْلِكُ الظَّالِمُ الْمُتَجَبِّرُ، وَتِلْكَ سُنَّةُ اللهُ فِي خَلْقِهِ، ( فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلا) [فاطر:43].
مَعَاشِرَ الْمُسْلِمِينَ:
إِنَّ مَا سَمِعْتُمْ مِنَ الآيَاتِ الْقُرْآنِيَّةِ لَهُوَ آخِرُ مَشْهَدٍ فِي هَلاَكِ فِرْعَوْنَ وَطَائِفَتِهِ، فِي صِرَاعٍ دَامَ سِنِينَ بَيْنَ مُوسَى عليه السلام ، وَفِرْعَوْنَ ذِي الصَّلَفِ وَالإِجْرَامِ، حَيْثُ كَانَ يُدْعَى إِلَى الْهُدَى، وَأُلِينَتْ لَهُ الْمَوْعِظَةُ وَالذِّكْرَى، لَكِنَّهُ أَبَى، بَلِ ادَّعَى أَنَّهُ الرَّبُّ الأَعْلَى، ثُمَّ رَاحَ يُقَتِّلُ الأَبْنَاءَ، وَيَسْتَحْيِي النِّسَاءَ، وَيُكلِّفُ الرِّجَالَ بِأَعْمَالِ التَّعَبِ وَالشَّقَاءِ، وَسَامَهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ، حَتَّى ارْتَفَعَتِ الأَيْدِي تَدْعُو رَبَّ الأَرْبَابِ، فَأَوْرَدَهُ اللهُ تَعَالَى مَوَارِدَ الْهَلَكَةِ وَالْعَطَبِ، وَصَبَّ عَلَيْهِ جَاماً مِنْ الغَضَبٍ، وَأَزَاحَ عَنْ مُوسَى وَقَوْمِهِ الْعَنَاءَ وَالتَّعَبَ، فَكَانَ مَا سَمِعْتُمْ مِنَ الْمَشْهَدِ العَظَيمِ، وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ اللهَ تَعَالَى لاَ يَنَامُ، وَلاَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنَامَ.
لاَ تَظْلِمَنَّ إِذَا مَا كُنْتَ مُقْتَدِراً فَالظُّلْــمُ آخِرُهُ يَأْتِيكَ بِالنَّـدَمِ
نَامَتْ عُيُونُكَ وَالْمَظْلُومُ مُنْتَبِهٌ يَدْعُو عَلَيْكَ وَعيْنُ اللهِ لَمْ تَنَمِ
أَتْبَاعَ سيِّدِ الْمُرْسَلِينَ:
دَعُونَا فِي هَذِهِ اللَّحَظَاتِ الْكَرِيمَةِ، نَتَأَمَّلْ وَإِيَّاكُمْ فِي هَذِهِ الآيَاتِ الْعَظِيمَةِ، وَأَنْ نَسْتَذْكِرَ أَيَّامَ اللهِ الْخَالِدَةَ، الَّتِي أَرْغَمَ اللهُ فِيهَا أُنُوفَ الظَّالِمِينَ، وَنَصَرَ عِبَادَهُ الْمُسْتَضْعَفِينَ، فَيَا لَهَا مِنْ لَحَظَاتٍ إِيمَانِيَّةٍ، حِينَ تَتَعَلَّقُ النُّفُوسُ بِرَبِّ الْبَرِيَّةِ، وَتَرْبِطُ هَذَا الْمَوْقِفَ بِعَالَمِنَا الْيَوْمَ، حَيْثُ تَكَالَبَتْ قُوَى الْكُفْرِ وَالظُّلْمِ، تُحَارِبُ الإِسْلاَمَ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ وَصَوْبٍ، وَتَجُرُّهُ نَحْوَ التَّشْرِيدِ وَالضَّيَاعِ وَالكَرْبِ، فَنَسْأَلُ اللهَ الَّذِي أَغْرَقَ فِرْعَوْنَ وَجُنْدَهُ، أَنْ يُهْلِكَ أَعْدَاءَ الإِسْلاَمِ فَهُوَ الْقَادِرُ وَحْدَهُ. وَلِمَزِيدٍ مِنَ التَّوْضِيحِ وَالْبَيَانِ، فَهَذِهِ خَمْسُ وَقَفَاتٍ تَزِيدُ الإِيمَانَ، وَتَبْعَثُ إِلَى تَعْظِيمِ الْمَلِكِ الدَّيَّانِ.
الْوَقْفَةُ الأُولَى: مَصَارِعُ الظَّالِمِينَ.
فَمَهْمَا تَجَبَّرَ عُتَاةُ الْبَشَرِ، وَاتَّصَفُوا بِالْبَطْشِ وَالْبَطَرِ، وَمَهْمَا مَلَكُوا الأَسْلِحَةَ الْمُدَمِّرَةَ، وَالآلاَتِ الْمُخَرِّبَةَ الْمُرَوِّعَةَ، فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى مِنْ وَرَاءِ كُلِّ ظَالِمٍ، وَعَدُوٍّ خَبِيثٍ غَاشِمٍ،أنظروا الأقوام السابقة ماذا حدث لها بقدرة الله عز وجل (فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الأرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآَيَاتِنَا يَجْحَدُونَ * فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لا يُنْصَرُونَ * وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ * وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ ) [فصلت: 15-18]، وَأَمَّا فِي الآخِرَةِ فَالْعَذَابُ يَتَضَاعَفُ، وَالْعُقُوبَةُ تَشْتَدُّ، (لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ) [آل عمران: 196-197].
فَلَمَّا تَمَــادَى وَاسْتَطَـالَ بِظُلْمِـهِ أَنَاخَتْ صُرُوفُ الْحَادِثَاتِ بِبَابِهِ
وَعُوقِبَ بِالظُّلْمِ الَّذِي كَانَ يقْتَفِي وَصَبَّ عَلَيْهِ اللهُ سَوْطَ عَذَابِـهِ
الْوَقْفَةُ الثَّانِيَةُ: الْحَقُّ لاَ يَمُوتُ:
قَدْ يَضْعُفُ الْمُؤْمِنُونَ حِيناً مِنَ الْوَقْتِ، لَكِنَّ الْحَقَّ لاَ يَمُوتُ؛ لأَنَّهُ مُسْتمَدٌّ مِنَ الْحيِّ الَّذِي لاَ يَمُوتُ، (وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا)[الفرقان:58]، وَأَهْلُ الْحَقِّ لاَ يُخْذَلُونَ، وَإِنْ كَانُوا فِي نَظَرِ الْمَفْتُونِينَ مَخْذُولِينَ، (إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هَؤُلاءِ دِينُهُمْ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [الأنفال:49]، وَمَهْمَا طَالَ لَيْلُ الظُّلْمِ، فَإنَّ آخِرَهُ إِشْرَاقَةُ الصُّبْحِ الْمُبِينِ، (قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ)، وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ب قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلي الله عليه وسلم يَقُولُ: «لاَ تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي يُقَاتِلُونَ عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَيَنْزِلُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ عليه السلام فَيَقُولُ أَمِيرُهُمْ: تَعَالَ صَلِّ لَنَا، فَيَقُولُ: لاَ، إِنَّ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ أُمَرَاءُ؛ تَكْرِيماً من اللَّهِ لهَذِهِ الأُمَّةَ» [أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ].
الْوَقْفَةُ الثَّالِثَةُ: (قَالَ كَلا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ).
وَهَذَا هُوَ الْوَاجِبُ فِي كُلِّ الأَحْوَالِ، أَنْ نَلْجَأَ إِلَى الْكَبِيرِ الْمُتَعَالِ؛ فَهُوَ الَّذِي تَذِلُّ لَهُ الرِّقَابُ، وَتَلِينُ لَهُ الشَّدَائِدُ الصِّلاَبُ، وَإِنْ كَانَ بَعْضُ النَّاسِ فِي دُنْيَاهُمْ يَسْتَقْوُونَ بِالْمَخْلُوقَاتِ، فَإِنَّ للهِ جُنْدَ الأَرْضِ وَالسَّمَوَاتِ، (وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ) [البقرة: 165]، فَتَأَمَّلُوا قُوَّةَ الرَّبِّ، وَامْلَؤُوا بِهَا شِغَافَ الْقَلْبِ، يُكْتَبْ لَكُمُ التَّمْكِينُ وَحُسْنُ الْمُنْقَلَبِ، فَقَدْ أَهْلَكَ اللهُ سُبْحَانَهُ النَّمْرُودَ بِبَعُوضَةٍ، وَهَدَّ سَدَّ مَأْرِبَ بِفَأْرَةٍ، وَأَغْرَقَ فِرْعَوْنَ وَجُنْدَهُ فِي الْيَمِّ، وَسَلَّطَ عَلَى عَادٍ الرِّيحَ الْعَقِيمَ، وَهَكَذَا الْحَالُ فِي أَصْحَابِ الْفِيلِ، حَيْثُ أَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبَابِيلَ، يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: (وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا) [الإسراء: 17].
الْوَقْفَةُ الرَّابِعَةُ: (أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ).
وَهَذَا مِنْ تَأْدِيبِ اللهِ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ، فَلَيْسَ بَعْدَ الاِعْتِمَادِ عَلَى الرَّبِّ، إِلاَّ الأَخْذُ بِالسَّبَبِ، وَهَذِهِ الأَسْبَابُ عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَسْبَابٌ شَرْعِيَّةٌ تَحْمِلُنَا عَلَى حِفْظِ الدِّينِ، وَاتِّبَاعِ الشَّرْعِ الْمَتِينِ، فَعِنْدَهَا يَتَنَزَّلُ النَّصْرُ، وَتُخَلَّصُ الأُمَّةُ مِنْ غَوَائِلِ الشَّرِّ.
وَأَسْبَابٌ أُخْرَى حِسِّيَّةٌ تَتَمَثَّلُ بِالتَّزَوُّدِ بِالسِّلاَحِ، وَبَثِّ رُوحِ الْكِفَاحِ، وَطَرْدِ الْهَزِيمَةِ النَّفْسِيَّةِ مِنَ الأَرْوَاحِ، كَمَا أَمَرَ سُبْحَانَهُ: ( وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآَخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ) [الأنفال: 60].
الْوَقْفَةُ الْخَامِسَةُ: الاِبْتِلاَءُ سُنَّةٌ جَارِيَةٌ.
فَفِي الابْتِلاَءِ تَمْحِيصٌ وَاخْتِبَارٌ، وَاجْتِبَاءٌ لِلْكِرَامِ الأَخْيَارِ، وَمَحْقٌ لِلظَّلَمَةِ الْفُجَّارِ، فَالضَّعِيفُ لاَ يَبْقَى ضَعِيفاً، وَالْقَوِيُّ لاَ يَسْتَمِرُّ أَبَدَ الدَّهْرِ قَوِيّاً، (وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ * أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ) [آل عمران: 140-142].
بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِهَدْيِ النَّبِيِّ الْكَرِيمِ، عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلاَةِ وَأَتَمُّ التَّسْلِيمِ، أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الْحَمْدُ للهِ الْعَظِيمِ الصِّفَاتِ وَالأَسْمَاءِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى مَا أَسْبَغَ مِنَ النَّعْمَاءِ، وَعَلَى مَا رَفَعَ مِنَ الْكَرْبِ وَالْبَلاَءِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ فَاطِرُ الأَرْضِ وَالسَّمَاءِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ سَيِّدُ الرُّسُلِ وَالأَنْبِيَاءِ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ السَّادَةِ النُّجَبَاءِ، وَعَلَى تَابِعِيهِمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الْجَزَاءِ.
أَمَّا بَعْدُ:
فَاتَّقُوا اللهَ مَعَاشِرَ الأَحْبَابِ، وَتَأَمَّلُوا فِي آيَاتِ الْكِتَابِ، فَإِنَّ فِيهَا الْهُدَى وَالصَّوَابَ، وَالسَّلاَمَةَ مِنَ الْفِتَنِ وَالصِّعَابِ، فَهُوَ الدَّوَاءُ لِكُلِّ دَاءٍ، وَالْمَخْرَجُ مِنْ كُلِّ فِتْنَةٍ وَبَلاَءٍ، فَعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلي الله علي وسلم قَالَ: «وَقَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ إِنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ: كِتَابَ اللهِ» [أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ].
إِذَا الْمَرْءُ كَانَتْ لَهُ فِكْرَةْ فَفِي كُلِّ شَيْءٍ لَهُ عِبْرَةْ
ثِقُوا بِاللهِ سُبْحَانَهُ، وَتَأَمَّلُوا فِي سُنَنِهِ وَأَيَّامِهِ، وَسَلُوهُ النُّصْرَةَ وَالْعِزَّةَ وَالتَّمْكِينَ لإِخْوَانِكُمُ الْمُسْلِمِينَ، مِمَّنْ تَعَرَّضُوا لِبَطْشِ الظَّلَمَةِ الْجَبَّارِينَ، ثُمَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ فَرَاعِنَةَ هَذَا الزَّمَانِ، مِنَ الْيَهُودِ وَعَبَدَةِ الصُّلْبَانِ، وَأَذْنَابِهِمْ مِنَ ذَوِي الطُّغْيَانِ، مَوْعِدُهُمُ الْخِزْيُ وَالْهَوَانُ وَالْخِذْلاَنُ، فَحِينَ يَتَجَبَّرُ الطُّغَاةُ، يُقَيِّضُ اللهُ لَهُمْ مِنْ عِبَادِهِ الأُبَاةِ: مَا لاَ يَخْطُرُ لَكُمْ عَلَى بَالٍ، فَيُذِيقُونَهُمْ أَلْوَانَ الْعَذَابِ وَالنَّكَالِ.
ثُمَّ لِتَعْلَمُوا -عِبَادَ اللهِ- أَنَّ الظُّلْمَ لاَ يَخْتَصُّ بِالْجَبَابِرَةِ الْمُسْتَكْبِرِينَ، بَلْ قَدْ يَقَعُ مِنْ آحَادِ النَّاسِ، فَالشِّرْكُ أَظْلَمُ الظُّلْمِ كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ:(وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيم) [لقمان:13]، وَالتَّظَالُمُ يَكُونُ بَيْنَ الْعِبَادِ فِي حُقُوقِهِمُ الْمُتَنَوِّعَةِ، لَكِنَّ الْمُوَفَّقَ السَّعِيدَ مَنِ اجْتَنَبَ مَظَالِمَ الْعِبَادِ، وَحَافَظَ عَلَى حَسَنَاتِ أَعْمَالِهِ يَوْمَ الْمَعَادِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ رضيالله عنه: عَنِ النَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم فِيمَا رَوَى عَنِ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ قَالَ: «يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلاَ تَظَالَمُوا» [أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ].
ثُمَّ صَلُّوا وَسَلَِّمُوا عَلَى إِمَامِ الْهُدَى وَخَيْرِ الْوَرَى، كَمَا أَمَرَ رَبُّكُمْ جَلَّ وَعَلاَ، فَقَالَ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ:(إِنَّ اللَّهَ وَمَلأئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّواعَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56].
اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمِّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَأَتْبَاعِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلاَمَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَأَذِلَّ الْكُفْرَ وَالْكَافِرِينَ. اللَّهُمَّ عَلْيَكَ بِمَنْ عَادَانَا مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالْمُنَافِقِينَ، نَدْرَأُ بِكَ - اللَّهُمَّ- فِي نُحُورِهِمْ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ شُرُورِهِمْ. اللَّهُمَّ انْصُرْ عِبَادَكَ الْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِكَ فِي كُلِّ مَكَانٍ؛ إِنَّكَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ، وَبِالإِجَابَةِ لَجَدِيرٌ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ، اللَّهُمَّ اسْقِنَا الْغَيْثَ وَلاَ تَجْعَلْنَا مِنَ الْقَانِطِينَ. اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ اسْقِنَا غَيْثاً مُغِيثاً، سَحّاً غَدَقاً طَبَقاً عَامّاً مُجَلِّلاً، اللَّهُمَّ أَنْبِتْ لَنَا بِهِ الزَّرْعَ، وَأَدِرَّ لَنَا بِهِ الضَّرْعَ، وَانْشُرْ رَحْمَتَكَ وَبَرَكَتَكَ فِي بِلاَدِ الْمُسْلِمِينَ أَجْمَعِينَ، وَوَفِّقِ - اللَّهُمَّ - أَمِيرَنَا وَوَلِيَّ عَهْدِهِ لِهُدَاكَ، وَاجَعَلْ أَعْمَالَهُمَا فِي طَاعَتِكَ وَرِضَاكَ, وَاجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً مُطْمَئِنّاً وَسَائِرَ بِلاَدِ الْمُسْلِمِينَ, بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق